خلال سنواتي العشر في الغربة، تواصلت مع العديد من العرب والمغاربة، وتبادلت معهم الحديث حول الغربة، إيجابياتها وسلبياتها. وفي كثير من الأحيان، لاحظت تكرار عبارة شائعة بينهم: "سأعود إلى الوطن، أنا هنا فقط للعمل." لكن مع مرور الزمن، يتضح أن العودة إلى الوطن لا تحدث.
الوعد بالعودة الذي لا يتحقق:
التقيت بعشرات المغاربة والعرب الذين يقيمون في الخارج لعقود من الزمن. عندما سألتهم عن خططهم للعودة إلى المغرب أو بلدانهم الأصلية، كانت إجاباتهم متشابهة: "سأعود قريباً." لكن هذه "القريباً" تمتد لسنوات، وأحياناً لعقود. منهم من قضى 20، 30، بل حتى 40 عاماً دون أن يحقق وعد العودة الذي قطعه على نفسه.
التعود على حياة الغربة:
من خلال هذه التجارب، لاحظت أن العديد منهم يواجهون صعوبة في العودة، ليس لأنهم لا يرغبون فيها، ولكن لأنهم اعتادوا على حياة الغربة. يجدون أن العودة إلى المغرب أو بلدهم الأصلي تصبح أمراً صعباً مع مرور الوقت. قال لي أحدهم: "لقد حاولت العودة، لكنني لم أستطع التأقلم مرة أخرى في وطني."
محاولات العودة الفاشلة:
بعض المهاجرين حاولوا بالفعل العودة إلى الوطن، لكنهم لم يتمكنوا من الاستقرار. على سبيل المثال، صادفت مهاجراً عاد إلى المغرب مع أسرته وبدأ مشروعاً صغيراً هناك. ورغم دخله الشهري من هذا المشروع، إلا أنه لم يتمكن من تلبية احتياجات أسرته، خاصة مع تكاليف التعليم لأطفاله في المدارس الخاصة. فاضطر للعودة إلى الغربة مرة أخرى.
الوهم بالعودة وتضييع الفرص:
السؤال المطروح هنا هو: لماذا يوهم المهاجرون أنفسهم بالعودة يوماً ما ولا يعودون؟ ولماذا يستمرون في بناء منازل ضخمة في الوطن، يرسلون أموالهم لشراء عقارات، ويعيشون حياة مقتصدة في الغربة؟
الاستثمار في الغربة بدلاً من الوطن:
بدلاً من استثمار أموالهم في مشاريع في بلادهم، يقوم الكثيرون بإرسال الأموال لبناء منازل أو شراء عقارات لا يستخدمونها. وفي النهاية، يجدون أنفسهم عالقين في دوامة العمل الشاق في الغربة دون أن يتمتعوا بحياتهم.
استغلال الجنسية الجديدة:
عندما يحصل المهاجر على جنسية البلد الذي يعيش فيه، غالباً ما يعود إلى وطنه للزواج، لكنه نادراً ما يستفيد من هذه الجنسية للسفر واكتشاف العالم. في المقابل، نرى بعض النساء يحصلن على الجنسية ويعدن إلى أوطانهن للزواج من رجال لا يعرفونهم جيداً، لتكون الجنسية هي الفائدة الرئيسية.
نمط حياة المهاجر:
المهاجر العربي أو المغربي نادراً ما يستثمر في حياته بالغربة، سواء في شراء أثاث لشقته أو في استثمار مالي يعود عليه بالفائدة. بدلاً من ذلك، يرسل أمواله إلى الوطن ويعيش حياة بسيطة على أمل العودة يوماً ما.
الخلاصة:
الحديث عن العودة إلى الوطن بين المغاربة في الغربة يبدو وكأنه حلم مؤجل. وبينما يبنون منازل ويستثمرون في بلادهم، يجدون أنفسهم غير قادرين على مغادرة الحياة التي اعتادوا عليها في الغربة. ربما حان الوقت لإعادة النظر في هذه القرارات، والاستمتاع بالحياة حيثما كانوا، بدلاً من انتظار حلم العودة الذي قد لا يتحقق أبداً.
نتمنى للجميع جمعة مباركة، ولنعمل على مناقشة هذه الأفكار والتعرف على الأسباب التي تدفع الكثيرين للعيش في هذا التناقض بين الغربة والوطن.

إرسال تعليق